لا أحتاج إلى أصدقاء فلدي طيور

المقاله تحت باب  نصوص شعرية
في 
30/05/2008 06:00 AM
GMT



المتخرجون هؤلاء الفتية اكتهلوا باكراً، هم حملوا ثلاثَ حروب تحت الجلد، الأولى جلستْ قريباً من القلب، الثانية تموقعتْ عند الرئتين والثالثة عسكرتْ طويلاً في الأحشاء، فرأوا الطائرات المغيرة وهي تقصفُ الغيمات التي كانت بحوزة القرويين، وتبقرُ بطون النجمات الساقطات على أسيجة السطوح، رأوا الأمهات وهنّ يكفنّ الضفاف ويلبسن الليل الطويل حتى الأقدام، حداداً على الماء، رأوا الدبابات كيف تسحق العبير وتطحن الهواء المطلّ من الشجرات، رأوا الشاحنات المحمّلة بالدموع والنياشين ورأوا الطبيعة تمشي على عكازة.
هؤلاء الفتية اكتهلوا باكراً، صغاراً كانوا حين شربوا الحانات كلها على نهر دجلة، احتسوا السبيرتو وعرق الهبهب حتى الكعب وكونياك الحدباء المخلوط بالصدأ حدّ الجنون، ليتخرّجوا سريعاً وينالوا الشهادات من الدهاقنة والضالعين في الهذيان والهلوسة.
هؤلاء الفتية اكتهلوا باكراً في سوالفهم شيب من وهج الكواكب وفي شَعرهم ضياءٌ راسخٌ في البصيلات.

أغنية العاشق هاشم
أنا العاشق
لديّ مقاطعة من الكلمات،
هكتار من الصور
وفدّانٌ من الاستعارات التي تنبتُ
حول سور من أسلاك الفضة،
لديّ تجاربُ مزروعة في السماء
ومهارات يذكرها الأفقُ لي،
لا أحتاجُ الى نساءٍ
فلديّ أشجارٌ تتعرّى في الخريف
لا أحتاجُ الى أصدقاءٍ
فلديّ طيورٌ وبضعة صخور بيضاء
لا أحتاجُ الى ولائم
فلديّ مأدبة أبدية يجهّزها المطلقُ لي
لا أحتاجُ الى روائح
فلديّ وردة تولم عطرها يومياً لي،

مقاطعتي كبيرة
مترعة بالكنايات والمعاني،
فيها إسطبل ذهبيّ
وثمة فأس من اللازورد
أحطبُ بها الضوء،

ثمة منجل من العقيق
أحصدُ به الظلام
ولديّ كلب دائبُ الحراسة للأمل،
أنا العاشقُ
معي عشرة غرامات من الحب
سأقتصد بها لتغطي سنواتي الباقية
معي رطل من الغرام
سأقتاتُ عليه
ولن أبذره أمام من هبّتْ ودبّتْ
معي أونصة من الألم
ولكنها مدفونة في أعماقي
وما أظهره هو ميداليّة الفرح
معي لطف مغلف بورق السوليفان

معي عنف أخفيه تحت الجوارب
وأبرزُه عند الحاجة
معي دمع ولكنه تصخّرَ
وأصبح ثقيلاً على المآقي
وإنْ سقط سيجرحُ حياتي
معي أنت وهذا يكفي

أنْ نتعانقَ في هاوية.
أنشودة محارب قديم
أنا محاربٌ قديم
حاربتُ من أجل
أنْ أسقط في وردة
وأتهاوى فوق مخدّة من عطر ـ
حاربتُ من أجل
أطاردَ العسلَ في السهول

وأقنصَ النجومَ السادرات فوق الهضاب ـ
حاربتُ من أجل
أنْ أنوّمَ النومَ في خيمة
وأوقظ الفجر
في الساعة السادسة ـ
حاربتُ من أجل كلمة
اختبأتْ بين أسناني
فنبشتها بعود
كي تأخذ دورها في الحياة ـ

حاربتُ من أجل قبلة،
سقطتْ سهواً مني
فأخذها غيري
لوّنها
وأعطاها للشيطان ـ
حاربتُ طويلاً
هنا وهناك
نفضتُ الروابي
كبساط في الهواء
وقلبتُ الأرضَ على قفاها
لأرى المدن المندثرة ـ
حاربتُ من أجل النسمات الملقاة
على الأعشاب والصخور
وتلك المنزوية بين شقوق الجبال ـ

حاربتُ من أجل أنْ أحاربَ
ليس إلا
وحين تعبتُ
أكلتُ رمحي

وشربتُ سهامي.